1
ماريستيلا جانيس لا بيلفلور .
ولدت كإبنة الكبرى للكونت (بيلفلور) ، في عام خمسمائة واثنين وعشرين للإمبراطورية.
وفي عام خمسمائة وخامسة والأربعين دخلت القصر كسيدة برفقة السيدة دوروثيا .
وفي عام خمسمائة وسابعة و الأربعين حُكمَ عليها بالإعدام بعد ثبوتّ إدانتها في محاولة اغتيال ولي العهد .
يمكننا أن نلخص الحياة التي عاشتها (ماريستيلا) المسكينة البالغة من العمر اثنين وعشرين عاماً ، في أسطر لا تزيد عن الثلاث كلمات: ‘لقد أُغلق الكتاب’ .
“ماريستيلا ، أهي فتاةً غبية أم طيبة “ تمتمت بصوت غير راضاً عن ما يحدث.
كانت تُعَد الشخصية (ماريستيلا) كأحد دواعم في أحداث رواية ‘دوروثيا’ التي انتهيتُ للتو من قراءتها ، وبإمكانك تخمين منذُ بداية أن البطلة الرواية هي (دوروثيا) وليس (ماريستيلا) ، ومع ذلك فقد وجدت نفسي في النهاية متعلقةً وبشكل غريب بهذه الفتاة .
(ماريستيلا) قامة بدعم صديقتها المقربة -أو التي اعتقدت بأنها صديقتها المقربة- دوروثيا ، حتى إن كان في سبيل الموت غدراً.
منذُ البداية (دوروثيا) كانت بنفسها المتآمرة في مقتل الأميرة الملكية التي حُكمَ عليها بالإعدام .
مع أن المؤلفة بررت تصرفات (دوروثيا) ، ولكن من وجهة نظري (دوروثيا) لم تكن سواء الشريرة التي استخدمت صديقتها (ماريستيلا) من أجل أهدافها .
وبالفعل قد كنتُ على وشك تمزيق الكتاب عندما طلبت (دوروثيا) من (ماريستيلا) أن تموت بكل هدوء وهي تصارع الموت في لحظاتها الأخيرة ، لم أستطيع تصديق أنها كانت تستغلها بهذه الطريقة!
لو كنتُ بمحل المؤلفة لكنت كتبت عن (ماريستيلا) بأنها تلك اللطيفة والذكية وجعلتها الشخصية الرئيسية ،فبغض النظر عن لطفها فقد كانت ذكيةً جداً.
على عكس (دوروثيا) غبيه ، بالمختصر كانت (ماريستيلا) القديسة ذكية ، بينما (دوروثيا) كانت الشريرة الغبية .
فعندما كانت (دوروثيا) غبيه توقع نفسها في مأزق ، تأتي (ماريستيلا) وتنقذها في كل مرة، في حين أن دوروثيا قد اعتبرت أن هذا الأمر مجرد تسليه وكله تحت مسمى الصداقة .
وفي كل مرة تنقذ (ماريستيلا) الطيبة (دوروثيا) ينتابني شعور بالإحباط في ظل هذه المواقف ، كما أن النهاية (دوروثيا) السعيدة بدت بنسبة لي وكأنها النهاية مأساوية .
لو أنني كنتُ (ماريستيلا) لما تعرضت للضرب على اليد (دوروثيا) وكنت سأقوم بضرب تلك المرأة على رأسها لمحاولتها أستغلال صديقتها! ….
********
….وكان هذا آخر ما فكرت به في رأسي!.
“السيدة ماري!”
فتحت عيناي ونظرت إلى المرأة التي كانت تحدق بي بتعابير حماسية ، كانت تملك شعراً سميك البني يتدلى على صدرها بينما ظلت تناديني بــ“السيدة ماري” أسمي الحقيقي “أوه ماري” وعلى رغم من ذلك فإنني لم أدعى في حياتي كلها بــ“السيدة ماري” .
حدقت بالمرأة ذات الشعر البني
“ستتأخرين على هذه الحالة فمن المفترض أنكِ ستقابلين السيدة (دوروثيا) اليوم”
<قالت المرأة>
السيدة (دوروثيا) ، كلمتين شقت أذني وكأنهما المجرفة.
“دورو…..ثــيــا!” قلت بارتباك ” دوروثيا ديمير ميل كورنوهن؟”
“وهل يوجد السيدة غيرها في هذه الامبراطورية تدعى (دوروثيا)؟”
“ياإلهي ،عبرت حيرة محيا وجهة بكامل، هل من محتمل أنــ..!”
“ما اسمك؟” <سألت المرأة.>
“أنا…؟” <أجابت المرأة>
ونظرت إلي وكأنها تعتقد بأني نسيتها “هل نسيتي أسمي”
“فلوريندا” تلفظت بالاسم من بين شفتي بينما صوتي يرتجف ، فإن لم تخني ذاكرة “إنه فلوريندا أليس كذلك؟”
” أوه، سيدتي. لماذا تسأل إذا كنت تعرف بالفعل؟ قالت (فلوريندا).”
أجل هذا صحيح (فلوريندا) كانت خادمة (ماريستيلا) لم أتمالك نفسي فأصبحت أضحك برعونة وبدات أتلمس شعري الاسود الطويل الذي يصل لحد خصري.
“كيف يعقل أحدوث هذا”
يبدو أنني أصبحت (ماريستيلا) ، فأخر ما اذكره قبل أن أغط في النوم هو ذلك الكتاب .
وكيف أنني كنتُ اتمنى لو كنتُ في محل (ماريستيلا)، عندها أنا لن أكون ساذجةً عندما يتعلق الأمر بـ(دوروثيا)، لكن لم أكن أتوقع أن يتحقق ذلك .
بينما واصلت الاستلقاء على السرير بتعابير مذهوله من واقع الذي أصبحت عليه ، أبدت (فلوريندا) ملامح الإحباط والاستياء أكثر .
“سيدتي ، ستتأخرين!”
“أوح حسناً لقد عدت من أحلام يقظة “إلى أين يجب أن أذهب؟” <سألت بهدوء>
” كان يتوجب عليك ذهاب الى الحفلة الشاي في القصر (تراكوس) برفقة السيدة ( دوروثيا) “.
أخبرتني (فلوريندا) بعد أن نفذ كل ذرة صبرً بها بضرورة النهوض من السرير ، و من ثم بدأت في مساعدتي على الاستعداد مع الخادمات الأخريات في هذا القصر كل من الاغتسال ولبس الملابس وإلم مكياج للزينة.
لقد سلمت نفسي للخادمات وأصبحت مثل الدمية في الديهن وحتى هذه اللحظة كنتُ لا أزال غير قادرة على استيعاب ما يحدث بشكل الكامل.
فإن ما يحدث هنا؟ لم أستطع تمييزه بعد ما إن كان أجربه حقيقي أو لا ، على رغم من أنني رأيته بأم عيني، كان يبدو أكثر وكأنه بمثابة الحلم.
” لقد أنتهينا يا سيدتي ، تبدين في غالية الجمال”
” بالفعل أنتِ جميلة يا السيدة ماري، في كل اليوم ينمو جمالكِ ويزيد ”
مع كل هذا المديح مترف من الخادمات إلا أنه لم يبهرني ، لهذا (فلوريندا) قامت بسحب نحو المرآة التي كانت تظهر مظهري بالكامل ، وبمجرد أن رأيت نفسي ، بدأت أضحك!
“أهاهاها” .
كان انعكاسي في المرآة تماماً كما ذكر في الرواية، الشعر الأسود الطويل اللامع يصل طوله لحد الخصر ، عينان تلمعان كمجوهرات بذور الرمان ،وبوجه الصغير على شكل بيضة وبشرة الشاحبة ، كما أنه ذكر عن الجمالي بــ (الجميلة ذات الهدوء الكئيب) .
وفجأة شعرت وكأنه ما أراه حقيقي بالفعل ، لقد أصبحت (ماريستيلا) ، تلمست بلطف وجنةِ .
ومن دون سابق إنذار دخلت الخادمة لغرفتي:
” سيدتي (ماري) ، السيدة (دوروثيا) قد وصلت”
توقفت عن نظر نحو المرآة وخرجت من الغرفة.
لقد كانت الغرفة النوم (ماريستيلا ) في الطابق الثاني ، لذا اضطررت لنزول إلى الطلب السفلي لكي أخرج وكان ذلك مرهقاً جداً نزول بسبب كعب ، ولكن ما أن وصل أطرف كعبي إلى أخر درجة وقعت عيني على بوابة الأمامي وما هي لحظات حتى خرجت .
“ماري!”
في الرواية ، قيل عن الصوت (دوروثيا) بأنه شبيه بغناء العندليب ولهذا السبب قد تعرفت على هذه المرأة ذات الشعر الأحمر و مع تلك الابتسامة مشرقة الواقفة أمام العربة .
” هيا اسرعي يا ماري ، سنتأخر على هذه الحال!”
<زقزقة (دوريثيا)>
لكن لم يكن بمقدوري مبادلتها بالابتسامة فكلما حاولت أبتسام كلما شعرت بتصلب فكي حينما أتذكر ما فعلت لـ(ماريستيلا) كيف أنها استغلتها مون ثم تخلت عنها وجعلتها تعاني ذلك بؤس .
“…………….”
لقد فشلت بالكامل في تحكم بتعابير وجهي مما جعلني أضغط على شفتي بحرقة فسرت نحو العربة النقل التي كانت تقف ( دوروثيا) بجانبها.
لكن أوقفني عناقها المفاجئ لي ، كادت أن تأثر عليّ لمساتها هذه لو لم اتدارك الأمر ، وقبل أي شيء كيف تجرؤ على فعل هذا دون أن تطلب إذني حتى ؟!
” هل تعلمين كم أنتظرتكِ؟” < عبست بسبب هذا الصوت المعسول الذي تتحدث به > ” لقد انتظرتك طويلاً جداً”
“……..”
كلامها مشكوك بأمره ، فعندما وصلت عربتها كنتُ قد نزلت إليها ، لهذا كان تعابيري الفارغة تماماً في كل جزء من ملامح وجهي ، واعتقد بأنه سبب الذي جعل دوروثيا تبعد ذراعيها اللذان كان ملتفان حولي .
لازلت أشعر أنني غير قادرة على تقبل الحقيقة وجودي هنا فهي تنافي المنطق، كيف انجذبت من دون سابق إنذار إلى هذه القصة .
فقد كان من المتوقع أن ابادرها العناق ، ولكن برغم من مدى إمكانية الشخص على تكيف في هذا الوضع ، فلا يزال من الصعب على أحدهم أن يبادر بهذه السرعة ، على أية حال.
نظرت (دوروثيا) فجأةً إلى صدرها:
“أوه، يبدو أن الشريط ملفوف على الثوبي قد أصبح فضفاضاً عندما عانقتكِ!” تجهمت وهي تنظر إليه ، لكنني بادرتها بنظره غير مبالية .
<عندها أشرق وجهها بعد ذلك تجهم>
“اربطيها لي!”
“…ماذا؟”
<قلت بصراحة تامة توافقًا على طلبها المفاجئ>
“هلا قمتِ بربط الشريط من أجلي؟! أكملت طلبها وقح ” وإلا فإنه سينهار”
كلماتها جعلت رعشة تسري بداخلي لأدرك هذا الوضع برمته، بأن هذه (دوروثيا) مجرد أمرأة جاحدة ، تعامل (ماريستيلا) كما لو أنها السترة.
ففي النهاية ستخونها وتتسبب بمقتلها، بدلاً من أن تقوم بمعاملتها كصديقة ، هي فقط تعاملها وكأنها خادمة لديها ، وكما أنها تأمرها بربط الشريط بإمكانها الوصول إليه بكل سهولة.
تغلغلت نيران غضبي في الجزء الخلفي من رأسي، لم تكن (دوروثيا) تحترم (ماريستيلا) حتى قبل أن أدخل إلى هذا الكتاب.
لهذا قمت بتحرير ربطت الشريط الأحمر للحذائي خلسةً من دون أن تشعر بي.
“دوروثيا”
<غنيت لها بنبرة الصوت ودية >
“هل تريدني أن أقوم بربط شريطكِ من أجلكِ؟”
<أعطيتها أبتسامةً مشرقة>
“حسناً إذاً في هذه الحال سأربطهُ لكِ”
<صحيح أنني قادرة على أن أربط شريطها بكل سهوله وفِي أي الوقت ولكن مع ذلك فقط كان عندي الشرط >
قلت لها :
“قومي بربط الشريط على حذائي أولاً…”
يتبع…